تحليلات سياسية

تحليل سياسي: تفنيد المغالطات وتوضيح الحقائق حول مقال الرئيس الاثيوبي السابق

شارك رايك بالتعليق في نهاية المقال

نُشر مؤخرًا مقال على موقع الجزيرة بقلم الرئيس الإثيوبي السابق السيد مولاتو تيشومي. يتناول المقال بشكل عام الأوضاع في القرن الأفريقي محاولًا تصوير إريتريا على أنها العامل الرئيسي في زعزعة استقرار المنطقة، متجاهلًا بذلك التاريخ الطويل من التدخلات الإثيوبية والصراعات الإقليمية التي لعبت فيها أديس أبابا الدور الأبرز. من الضروري هنا تفنيد هذه المغالطات وتصحيح الرؤية بشأن جذور الأزمات المستمرة في المنطقة.

إثيوبيا والتدخلات الإقليمية: تاريخ طويل من الهيمنة

يحاول المقال تصوير إريتريا كالدولة الوحيدة التي تتدخل في شؤون جيرانها، متجاهلًا أن إثيوبيا نفسها لديها سجل حافل من الحروب والتدخلات العسكرية. فإثيوبيا، منذ عهد الإمبراطور هيلا سيلاسي، كانت تسعى للسيطرة على القرن الأفريقي، وهو ما تجسد في احتلالها لإريتريا لمدة ثلاثة عقود حتى نالت استقلالها عام 1993 بعد حرب تحرير طويلة.

حتى بعد استقلال إريتريا، لم تتوقف إثيوبيا عن محاولات الهيمنة، حيث شنت حربًا حدودية بين عامي 1998-2000 وأبقت على سياسات عدائية تجاه أسمرا. وليس ذلك فحسب، بل إن أديس أبابا كانت اللاعب الرئيسي في التدخلات بشؤون الصومال منذ سقوط نظام سياد بري عام 1991، وشاركت في الغزو العسكري عام 2006 بذريعة محاربة المحاكم الإسلامية، مما أدى إلى تصاعد الفوضى والتطرف في البلاد.

إثيوبيا وأطماعها في البحر الأحمر

التوترات الحالية بين إثيوبيا وإريتريا لا يمكن فصلها عن الطموحات الإثيوبية للوصول إلى البحر الأحمر. فبعد أن فقدت إثيوبيا منفذها الساحلي عقب استقلال إريتريا، لم تتوقف محاولاتها لإيجاد مخرج بحري سواء عبر جيبوتي، أو السودان، أو من خلال محاولات دبلوماسية واقتصادية مع إريتريا نفسها. تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد الأخيرة حول ضرورة حصول بلاده على منفذ بحري ليست سوى امتداد لنفس السياسة التوسعية التي اعتمدتها إثيوبيا لعقود.

الأزمة الحقيقية: الفشل الداخلي في إثيوبيا

بدلًا من إلقاء اللوم على إريتريا أو غيرها من دول المنطقة، يجب التركيز على الأسباب الحقيقية للصراعات المتكررة في إثيوبيا، والتي تعود بشكل رئيسي إلى النظام الفيدرالي القائم على الانتماءات العرقية. هذا النظام أدى إلى إذكاء النزعات الانفصالية وإشعال حروب أهلية، أبرزها الحرب التي اندلعت في إقليم تيغراي عام 2020 وأودت بحياة الآلاف، فضلًا عن النزاعات المستمرة في أقاليم مثل أوروميا وأمهرة.

إضافة إلى ذلك، فإن سياسات أبي أحمد منذ توليه السلطة عام 2018 لم تؤدِ إلى تحقيق الاستقرار، بل على العكس، قادت إثيوبيا إلى مزيد من الانقسامات الداخلية، حيث اتسمت إدارته بالتردد، والاعتماد على الخطاب الشعبوي بدلًا من معالجة الأزمات الجوهرية، مما جعل البلاد على حافة الانهيار الاقتصادي والسياسي.

التدخلات الدولية وتأثيرها على استقرار المنطقة

لا يمكن تجاهل دور القوى الإقليمية والدولية في تأجيج النزاعات في القرن الأفريقي. فالتدخلات الغربية، سواء عبر دعم أطراف معينة أو فرض أجندات سياسية واقتصادية، أدت إلى تعميق الانقسامات الداخلية وزيادة التوترات بين الدول. كما أن القوى الإقليمية مثل مصر، والسعودية، والإمارات، وتركيا، تلعب أدوارًا متباينة في تحديد مسار التوازنات الجيوسياسية في المنطقة، وهو ما يزيد من تعقيد المشهد السياسي.

الطريق إلى الاستقرار الحقيقي

إذا كانت هناك رغبة حقيقية في تحقيق الاستقرار في القرن الأفريقي، فإن الحل لا يكون عبر تحميل إريتريا مسؤولية الأزمات، بل عبر معالجة التحديات الداخلية لإثيوبيا، بدءًا من إصلاح النظام الفيدرالي، وانتهاءً بتبني سياسات إقليمية قائمة على التعايش بدلًا من الهيمنة. كما أن التعاون الاقتصادي والتنموي بين دول المنطقة يمكن أن يكون مدخلًا لتقليل النزاعات السياسية وتحقيق الأمن والاستقرار.

في النهاية، فإن أي مقاربة جادة لإنهاء الصراعات في القرن الأفريقي يجب أن تتعامل مع الحقائق التاريخية والسياسية بموضوعية، بعيدًا عن الخطاب الذي يسعى لإلقاء اللوم على طرف دون الآخر. يجب أن يكون هناك وعي بأن استقرار المنطقة لن يتحقق إلا عبر حلول شاملة وعادلة تعالج الجذور الحقيقية للأزمات، وليس من خلال تبني روايات منحازة تحاول توجيه أصابع الاتهام لطرف معين دون النظر إلى الصورة الكاملة.

منصة إري نيوز الارترية

19/02/2025

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى